لا تكبت عواطفك، فقَدْرٌ من البوح هو متنفس للأحزان.


السبت، 1 نوفمبر 2008

عندما تسخر الدار من روادها !

كانت عادة اسبوعية .. وروتين متكرر ... تلك الزيارات المتواصلة

والوصال المستمر ... بيني وبين قريتي العتيقة

كنت طفل يفرح فقط باجازاته الاسبوعية ويفرح اكثر لمغادرته منزله

لاتهمني الوجهة قدر مايمهني السفر ومغادرة كل مايذكرني باسبوع دراسي لم يبق من ذكرياته

سوى الفسحة اليومية وبقايا الخبز التي تتناثر بفناء المدرسة بعدها هنا وهناك

كان هذا المشوار شبه الاسبوعي اغلى امانيي كطفل

كانت الرحلة من بداية التخطيط لها وحتى العودة لمنزلي

خليط فرح طفولي ومشاعر جميلة بريئة .. وشب معي هذا الحب حتى اصبحت شابا وانفردت بالمقعد الامامي ومازالت تلكم المشاعر الجميلة تحيطني من كل اتجاه وذلكم المشوار بالنسبة لي حلم جميل لا يوقظني منه سوى العودة عصر الجمعة الى منزلي استعدادا لأسبوع دراسي جديد

بعدت ان كبرت نسبيا كانت اجمل الايام بالنسبة لي هي الزيارات المتقطعة لتلك القرية او الزيارات التي يقوم بها عمي او تنزل خلالها جدتي الي بيتنا

كانت المشاعر المضطربة داخلي في صراع عميق هل الحب للقرية !!؟؟
أم لسكان القرية!!؟؟
أم هو فقط لعمي وجدتي!!؟؟

وطوال عقد ونصف من الزمن لم استطع ان اتوصل لاجابة هذا السؤال!!

وفي الاسبوع الماضي كانت ثمة مناسبات سعيدة توالت علي بفضل الله ومنته كنت مثار فرحتي وغبطتي

وكان من بين تلكم الاحداث وابرزها أن رزقت بــ (غلا ) التي بعد خروجها من المستشفى فضلت ان تهرب بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخب الحياة وجدول والدها المزدحم فما وجدت غير خيار والدها العتيق وقريته الهادئة النائمة بسكينة على بعد ساعة من منزلها فاضططرت لزياراتها والتواصل معها بين الفينة والأخرى وبينما انا في مشواري المعتاد لزيارتها وتكحيلي عيني برؤيتها وانا أمر مع الطريق الذي طالما عشقته وحفظت تفاصيله كان سؤال مرير في داخلي وصرخة مكبوتة في أعماقي تسأل بذهول !!؟؟

أين ذلكم الشوق وذلك الرصيد الهائل من الفرح في حالة سلوكي الطريق الموصل هناك!!؟؟

وانا بخضم هذه التساؤلات لم أفق الا وقد وصلت مقصدي
ووقفت على الباب قليلا ألم يكن هذا الباب الذي يثير الفرح ويخلق النشوة!!؟؟

ألم تكن هذه الشوارع التي جلتها بعرضها وطولها يوما ما هي نفسها الشوارع الان ان لم تكن افضل!!؟؟
ألم أكن حينها طفلا لا أملك من أمري الاالأمتثال والأستمتاع حسب الجدول المتاح لا المعد سلفا من قبلي!!؟؟
ألست الان بسيارتي الخاصة ؟؟ وأملك حرية التصرف بوقتي وجدولي !!؟؟
أليست هذه الطرق نفسها!!؟؟ أليست هذه القرية هي التي عشقتها!!؟؟
أليست كل ظروفي وأحوالي بفضل الله تحولت للأحسن والأفضل!!؟؟
أليست ثمة أحداث سعيدة في الماضي القريب تثير الفرح وتجلب السعادة!!؟؟؟

اذا أين تلكم السعادة وأين ذلكم الفرح فالمكان هو هو
والأسماء نفسها
حتى لون البيت الذي أعشق لم يتغير!!1

اذا مالذي تغير !!!!؟؟؟؟؟؟

وأنا في خضم تلكم التساؤلات وفي معمة من التفكير وقعت عيني على ركن قصي بطرف هذا البيت

كان بالنسبة لي يوازي هذه القرية بأهلها كان ركن يضم بين جنباته (قلب جدتي) الذي أعتاد النبض بالحب

وصدرها الذي أعتاد الاحتضان وامتصاص الاحزان سرت بي الذكرى لأحداث واحداث
كانت ذاكرتي تحوم ودمعاتي تسابقها

شحت بنظري بعيدا تفاديا لعدم الغروق في لجة من الحزن ربما ليس هذا وقتها

واذا النظر بلا سابق انذار يقع على غرفة أخرى لم أكن أتصور منظرها

بلا (عمي) فقد كنت خلال كل زيارة اراه يخرج مستقبلا لوالدي ولنا ووجهه يتهلل فرحا ويشع سرورا

بين ذلكم الركن وتلكم الغرفة (المجلس) كانت تلكم المباني تحادثني بسخرية وتحاورني بتهكم

مالذي أتى بك!!؟؟
وعن ماذا تبحث وقد وادعت وواريت بالثرى من كانوا الأنس لنا ولك؟؟
عندها عرفت القيمة المعنوية لتلكم الدعوة التي يرددها والدي حال وصولنا هناك والتي لازال صداها يتردد في ذهني
(اللهم أطل عمر نور هذا البيت ومن نأتي من أجلهم )
الان القرية كماهي
وعمي وجدتي رحلوا بالتوالي
ولم يبق الا عبقهم الجميل وذكراهم الزكية
اللهم اجمعنا بهم في مستقر رحمتك
ومضة

وماقيمة الأرض ألا في أحبتنا ...... فإن فارقوها فماذا ينفع الحجر